قصة بعنوان المقعد رقم 9


في كل صباح، يركب الحافلة ذاتها، ويجلس في المقعد رقم 9.

لا أحد ينتبه له كثيرًا، فهو رجل هادئ، لا يرفع صوته، ولا يعبث بهاتفه. يحمل كتابًا في يده، ونظرة فيها شيء من الغياب... كأنه هنا، لكنه ليس تمامًا.

في يومٍ ماطر، جلست بجانبه فتاة صغيرة. سألته بخفة:

"ليش دايمًا بتقعد هون؟"

ابتسم، وأجاب بصوت دافئ:

"لأن المقعد رقم 9 بيطلّ على الحياة من الزاوية اللي بحبها."

ضحكت، ثم قالت:

"بس الحياة برّا مو دايمًا حلوة!"

أغلق كتابه، ونظر من النافذة، ثم همس وكأنه يحدّث نفسه:

"عشان هيك بنختار الزاوية اللي نشوفها منها... مش لازم تكون الحياة كاملة، يكفي نلقط منها لحظة حلوة، ونخليها تكفينا."

مرت السنوات، ولم تعد الفتاة تركب الحافلة. لكنه ظلّ في المقعد ذاته، يحمل كتابًا جديدًا كل يوم، ويبحث من نافذته عن لحظة تليق بالحفظ.

في يوم ما، جلس في المقعد نفسه شاب في العشرينات، يحمل دفترًا وقلمًا. سأل السائق:

"وين الرجل اللي كان يقعد هون كل يوم؟"

أجابه السائق بعد صمت قصير:

"كان بيجي دايمًا... بس من شهر، غاب. تركلي هالرسالة وقال: إذا سأل عني حدا، أعطوه إياها."

فتح الشاب الرسالة، وقرأ:

"إذا وجدت نفسك في المقعد رقم 9، فأنت تبحث عن الحياة من الزاوية الأجمل. لا تتوقف عن النظر، ولا تكفّ عن الحلم."

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفشل هو الخطوة الأولى نحو النجاح

رغبة الضوء